27 - 06 - 2024

وجهة نظري | تكميم معدة الشعب

وجهة نظري | تكميم معدة الشعب

يحاصرنا الغلاء بجنونه .. يصيبنا بالاختناق .. تقتلنا قلة الحيلة والعجز عن تدبير ميزانيتنا المختلة دوما بفعل دخل هزيل وفواتير أسعار في قفزات مستمرة بلا ضابط وبلا رحمة!

أرهقتنا الحسابات .. نجمع ونطرح ونقسم ثم ننتهى بأن نضرب رؤوسنا في أقرب حائط بقوة علنا نستريح من وطأة التفكير وتدبير أمور عصية بل مستحيلة التدبير ..

نحاول يوميا أن نخصم من إحتياجاتنا قدر ما نستطيع ما اضطررنا أن نعتبره من الرفاهية .. وظل العجز مستمرا .. انسحب الاستغناء ليطول احتياجات أساسية ومع ذلك ظل الفشل يلاحقنا وظلت ميزانيتنا مختلة لا تعرف الاستقرار!!

تلاحقنا أصوات البوم المستفزة تنصحنا بالاستغناء عن كل ما لا تطوله اليد الضيقة غير عابئين بحال الملايين الكادحة التي باتت تسد عشاءها نوما بفرض أنها أخذت نصيبها من إفطار وغذاء.

جنون الغلاء افترس بأنيابه جميع السلع .. وعجزت أمامه عقول الستات البارعة في التحايل لتدبير وجبات شهية بأقل القليل.

فحتى تلك الوجبات التي كنا نطلق عليها شعبية وتنطلق روائحها في كل البيوت المتواضعة أو تلك المتوسطة لتخفيض نفقاتها باتت تلك الوجبات باهظة التكاليف لايقدر عليها البسطاء ولا حتى متوسطي الحال .. بل حتى ميسورى الحال حاصرهم الغلاء ولم تعد تلبية كثير من احتياجاتهم بالأمر السهل!

حصار أحكم قبضته على الجميع فأصاب الكل بالإختناق والعجز وشلل التفكير!

لم يعد يشغلنا شيء سوى تدبير قوت يومنا، وأظن أن ذلك هو المطلوب!!

ورغم أننا نحاول أن نواجه أمرا صعبا مجبرين على مواجهته .. نحاول تدبير حالنا بأقصى ما نستطيع من جهد .. نستغنى عما كنا نعتبره رفاهية بل طال الإستغناء ماشكل دوما أولويات في حياتنا ظننا أنها لاتستقيم بدونها!

قاطعنا الوجبات الجاهزة التي كنا نلجأ إليها بين الحين والآخر كنوع من التغيير وكسر الرتابة، ولم نعد نشعر سوى برتابة العجز وضيق اليد!.

كدنا نجبس أنفسنا في البيوت لا نخرج إلا للضرورة تقليلا للنفقات .. فأى خطوة نخطوها خارجها تعنى مزيدا من استنزاف لدخولنا لا تتحمله دخولنا الهزيلة!

أحجمنا عن إستخدام التليفون لشراء ما كنا نحتاجه من خلال خدمة التوصيل للمنازل .. فكرنا ساخرين من شر البلية أن نكهرب الهاتف حتى يحذرنا من حماقة ما كنا نفكر فيه غير عابئين بكارثيته على ما تبقى لنا من مال!!

أصبحا نفكر ألف مرة قبل الشراء .. نكتفى بأقل القليل وما يسد أبسط الإحتياجات .. وحتى في ذلك نتريث ونستغرق وقتا طويلا في مقارنة الأسعار بين الشركات المنتجة المختلفة وبين منافذ البيع المختلفة لنستقر على أرخص الأسعار بعدما كانت الجودة هي معيار اختيارنا لكل ما نود شراءه!!

نتبادل الخبرات فكلنا في الهم سواء .. وما إن يجتمع مصريان إلا وكان حديث الغلاء ثالثهما!!

نتعجب من حالنا الذى تتجاهله الحكومة، فلا تبذل لتغييره قدر الجهد المطلوب لتغييره أو تحجيم قفزات الأسعار أو الضرب بيد من حديد لوقف جشع واستغلال التجار!!

تكتفى بتصريحات كفقاعات الهواء بين الحين والآخر عن توفير السلع وضبط الأسعار وإنفراج الأزمة وتوفير منافذ توزيع منخفضة الأسعار . وكلها لا تخرج عن مجرد مسكنات لا تسمن ولا تغني ولا تشفى من جنون الغلاء الذى ينهشنا بلا رحمة.

مسكنات ترهق أرواحنا ولا تزيدها إلا تعبا وإرهاقا وضيقا .. لتبقى الأزمة جاثمة فوق الصدور .. نبحث عن حلول فلا يهدينا تفكيرنا وسط مهزلة ما يحيط بنا إلا حل يتماهى مع تلك المساخر. نقترح على حكومتنا السنية أن تقوم بإجراء عملية تكميم معدة لكل الشعب حتى تسد جوعه أو بمعنى أدق تقلل من إحساسه بالجوع وتقلل من احتياجاته، فيكف عن الشكوى من الغلاء وضيق اليد وارتفاع الأسعار .. حل سريع وفعال يغنيها عن معضلة زيادة الدخول ولا يضطرها لعناء مواجهة الأسعار وضبط الأسواق والتصدى لجشع التجار.

مش عايزين نتعبك ياحكومة.. التكميم هو الحل ، وأنت خبرة في التكميم .. و يجعله عامر!
-----------------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

وجهة نظري | إنسانية اللا عرب





اعلان